كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الخامسة عشرة واختلفوا في سنّ الصبي يقلع قبل أن يُثْغِر؛ فكان مالك والشافعي وأصحاب الرأي يقولون: إذا قُلِعت سِنّ الصبي فنبتت فلا شيء على القالع، إلا أن مالكًا والشافعيّ قالا: إذا نبتت ناقصة الطول عن التي تقاربها أخذ له من أَرْشها بقدر نقصها.
وقالت طائفة: فيها حكومة، وروي ذلك عن الشعبيّ؛ وبه قال النعمان.
قال ابن المنذِر: يُسْتأنى بها إلى الوقت الذي يقول أهل المعرفة إنها لا تنبت، فإذا كان ذلك كان فيها قدرها تامًا؛ على ظاهر الحديث، وإن نبتت ردّ الأَرش.
وأكثر من يُحفَظ عنه من أهل العلم يقولون: يُسْتأنى بها سنة؛ روى ذلك عن عليّ وزيد وعمر بن عبد العزيز وشُرَيح والنَّخعيّ وقَتَادة ومالك وأصحاب الرأي.
ولم يجعل الشافعيّ لهذا مدة معلومة.
السادسة عشرة إذا قُلِع سنّ الكبير فأخذ ديّتها ثم نبتت؛ فقال مالك لا يردّ ما أخذ.
وقال الكوفيون: يردّ إذا نبتت.
وللشافعي قولان: يردّ ولا يردّ؛ لأن هذا نبات لم تجرِ به عادة، ولا يثبت الحكم بالنادر؛ هذا قول علمائنا.
تمسك الكوفيون بأن عوضها قد نبت فيردّ؛ أصله سِنّ الصغير.
قال الشافعي: ولو جنى عليها جانٍ آخر وقد نبتت صحيحة كان فيها أرشها تامًا.
قال ابن المنذر: هذا أصح القولين؛ لأن كل واحد منهما قالع سِنّ، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم في السِنّ خمسًا من الإبل.
السابعة عشرة فلو قلع رجل سِنّ رجل فردّها صاحبها فالتحمت فلا شيء فيها عندنا.
وقال الشافعي: ليس له أن يردّها من قِبل أنها نجسة؛ وقاله ابن المسيّب وعطاء.
ولو ردّها أعاد كل صلاة صلاها لأنها مَيْتة؛ وكذلك لو قطعت أُذنه فردّها بحرارة الدم فالتزقت مثله.
وقال عطاء: يجبره السلطان على قلعها لأنها مَيْتة ألصقها.
قال ابن العربيّ: وهذا غلط، وقد جَهِل من خَفِي عليه أنّ ردّها وعودها بصورتها لا يوجب عودها بحكمها؛ لأن النجاسة كانت فيها للانفصال، وقد عادت متصلة، وأحكام الشريعة ليست صفات للأعيان، وإنما هي أحكام تعود إلى قول الله سبحانه فيها وإخباره عنها.
قلت: ما حكاه ابن العربيّ عن عطاء خلاف ما حكاه ابن المنذر عنه؛ قال ابن المنذر: واختلفوا في السنّ تقلع قَودًا ثم تردّ مكانها فتنبت؛ فقال عطاء الخراسانيّ وعطاء بن أبي رَبَاح لا بأس بذلك.
وقال الثوريّ وأحمد وإسحاق: تقلع؛ لأنّ القصاص للشَّيْن.
وقال الشافعي: ليس له أن يردها من قِبل أنها نجسة، ويجبره السلطان على القلع.
الثامنة عشرة فلو كانت له سنّ زائدة فقلعت ففيها حكومة؛ وبه قال فقهاء الأمصار.
وقال زيد بن ثابت: فيها ثلث الديّة.
قال ابن العربيّ: وليس في التقدير دليل، فالحكومة أعدل.
قال ابن المنذر: ولا يصح ما روي عن زيد؛ وقد روي عن عليّ أنه قال: في السنّ إذا كسِر بعضها أعطي صاحبها بحساب ما نقص منه؛ وهذا قول مالك والشافعي وغيرهما.
قلت: وهنا انتهى ما نص الله عز وجل عليه من الأعضاء، ولم يذكر الشَّفتين واللّسان وهي:
التاسعة عشرة فقال الجمهور: وفي الشفتين الدية، وفي كل واحدة منهما نصف الدية لا فضل للعليا منهما على السفلى.
وروي عن زيد بن ثابت وسعيد بن المسيّب والزُّهْريّ: في الشّفة العليا ثلث الدية، وفي الشفة السفلى ثلثا الدية.
وقال ابن المنذر: وبالقول الأول أقول: للحديث المرفوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «وفي الشّفتين الدية» ولأن في اليدين الدية ومنافعهما مختلفة.
وما قطع من الشّفتين فبحساب ذلك.
وأما اللّسان فجاء الحديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «في اللّسان الديّة» وأجمع أهل العلم من أهل المدينة وأهل الكوفة وأصحاب الحديث وأهل الرأي على القول به؛ قاله ابن المنذر.
الموفية عشرين واختلفوا في الرجل يجني على لسان الرجل فيقطع من اللسان شيئًا، ويذهب من الكلام بعضه؛ فقال أكثر أهل العلم: ينظر إلى مقدار ما ذهب من الكلام من ثمانية وعشرين حرفًا فيكون عليه من الدية بقدر ما ذهب من كلامه، وإن ذهب الكلام كله ففيه الدية؛ هذا قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي.
وقال مالك: ليس في اللسان قَوَد لعدم الإحاطة باستيفاء القَوَد.
فإن أمكن فالقَوَد هو الأصل.
الحادية والعشرون واختلفوا في لسان الأخرس يقطع؛ فقال الشعبيّ ومالك وأهل المدينة والثوريّ وأهل العراق والشافعيّ وأبو ثور والنعمان وصاحباه: فيه حكومة.
قال ابن المنذر: وفيه قولان شاذّان: أحدهما قول النَّخعيّ أن فيه الدية.
والآخر قول قتادة أن فيه ثلث الدية.
قال ابن المنذر: والقول الأوّل أصح؛ لأنه الأقلّ مما قيل.
قال ابن العربي: نص الله سبحانه على أُمهات الأعضاء وترك باقيها للقياس عليها؛ فكل عضو فيه القصاص إذا أمكن ولم يخش عليه الموت، وكذلك كل عضو بطلت منفعته وبقيت صورته فلا قَوَد فيه، وفيه الدية لعدم إمكان القود فيه.
الثانية والعشرون قوله تعالى: {والجروح قِصَاصٌ} أي مقاصّة، وقد تقدّم في «البقرة».
ولا قصاص في كل مَخُوف ولا فيما لا يُوصَل إلى القصاص فيه إلاّ بأن يخطىء الضارب أو يزيد أو ينقص.
ويقاد من جراح العمد إذا كان مما يمكن القَوَد منه.
وهذا كله في العمد؛ فأما الخطأ فالدية، وإذا كانت الدية في قتل الخطأ فكذلك في الجراح.
وفي صحيح مسلم عن أنس أن أُخت الرُّبَيِّع أم حارثة جرحت إنسانًا فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القصاص القصاص» فقالت أُم الرُّبَيِّع: يا رسول الله أيقتص من فلانة؟! والله لا يقتص منها.
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله يا أُم الرُّبَيِّع القصاص كتاب الله» قالت: لا والله لا يقتص منها أبدًا؛ قال فما زالت حتى قبلوا الدية؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ من عباد الله من لو أقسم على الله لأَبَرَّه».
قلت: المجروح في هذا الحديث جارية، والجرح كسر ثَنِيّتها؛ أخرجه النسائيّ عن أنس أيضًا أن عمته كسرت ثَنِيّة جارية فقَضَى نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص؛ فقال أخوها أنس بن النّضر: أتُكسَر ثَنِيّة فلانة؟ لا والذي بعثك بالحق لا تُكسَر ثَنِيّتها.
قال: وكانوا قبل ذلك سألوا أهلها العفو والأرش، فلما حلف أخوها وهو عم أنس وهو الشهيد يوم أُحد رضي القوم بالعفو؛ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأَبَرَّه» وخرجه أبو داود أيضًا، وقال سمعت أحمد بن حنبل قيل له: كيف يقتص من السن؟ قال: تُبْرَد.
قلت: ولا تعارض بين الحديثين؛ فإنه يحتمل أن يكون كل واحد منهما حلف فَبَرَّ اللَّهُ قسمهما.
وفي هذا ما يدل على كرامات الأولياء على ما يأتي بيانه في قصة الخضر إن شاء الله تعالى.
فنسأل الله التثبت على الإيمان بكراماتهم وأن ينظمنا في سلكهم من غير محنة ولا فتنة.
الثالثة والعشرون أجمع العلماء على أن قوله تعالى: {والسن بالسن} أنه في العمد؛ فمن أصاب سِنّ أحد عمدًا ففيه القصاص على حديث أنس.
واختلفوا في سائر عِظام الجسد إذا كسرت عمدًا؛ فقال مالك: عظام الجسد كلها فيها القود إلا ما كان مَخُوفًا مثل الفخذ والصّلب والمأمُومة والمُنَقِّلة والهاشِمة، ففي ذلك الديّة.
وقال الكوفيون: لا قصاص في عظم يُكسَر ما خلا السنّ؛ لقوله تعالى: {والسن بالسن} وهو قول الليث والشافعيّ.
قال الشافعيّ: لا يكون كَسْرٌ ككسر أبدًا؛ فهو ممنوع.
قال الطَّحاويّ: اتفقوا على أنه لا قصاص في عظم الرأس؛ فكذلك في سائر العِظام.
والحجة لمالك حديث أنس في السنّ وهي عظم؛ فكذلك سائر العِظام إلا عظمًا أجمعوا على أنه لا قصاص فيه؛ لخوف ذهاب النفس منه.
قال ابن المنذر: ومن قال لا قصاص في عظم فهو مخالف للحديث؛ والخروج إلى النظر غير جائز مع وجود الخبر.
قلت: ويدل على هذا أيضًا قوله تعالى: {فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] وقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] وما أجمعوا عليه فغير داخل في الآي.
والله أعلم وبالله التوفيق.
الرابعة والعشرون قال أبو عبيد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في المُوضِّحَة، وما جاء عن غيره في الشِّجَاج.
قال الأصمعيّ وغيره: دخل كلام بعضهم في بعض؛ أوّل الشِّجَاج الحَارِصة وهي: التي تَحْرِص الجلد يعني التي تَشقّه قليلا ومنه قيل؛ حَرَص القصّارُ الثوب إذا شقّه؛ وقد يقال لها: الحَرْصَة أيضًا.
ثم الباضِعة وهي: التي تشق اللحم تَبْضَعه بعد الجِلد.
ثم المتلاحِمة وهي: التي أخذت في الجلد ولم تبلغ السِّمْحاق.
والسِّمْحاق: جلدة أو قشرة رقيقة بين اللحم والعظم.
وقال الواقِديّ: هي عندنا الملطى.
وقال غيره: هي المِلْطَاة، قال: وهي التي جاء فيها الحديث: «يُقضَى في المِلْطَاة بِدمها» ثم المُوضِحة وهي: التي تَكشِط عنها ذلك القِشر أو تشقّ حتى يبدو وضَحَ العظم، فتلك الموضِحة.
قال أبو عبيد: وليس في شيء من الشِّجَاج قصاص إلا في المُوضِحة خاصة؛ لأنه ليس منها شيء له حدّ ينتهي إليه سواها، وأما غيرها من الشِّجَاج ففيها ديتها.
ثم الهاشِمة وهي التي تَهشِم العظم.
ثم المُنَقِّلة بكسر القاف حكاه الجوهري وهي التي تنقل العظم أي تكسِره حتى يخرج منها فراش العظام مع الدواء.
ثم الآمَّة ويقال لها المأمومة وهي التي تبلغ أُمّ الرأس، يعني الدّماغ.
قال أبو عبيد ويقال في قوله: «ويُقضَى في المِلْطَاة بدمها» أنه إذا شَجَّ الشّاجُ حُكِم عليه للمشجوج بمبلغ الشَّجَّة ساعة شَجّ ولا يُستَأنى بها.
قال: وسائر الشِّجَاج عندنا يُستَأنى بها حتى ينظر إلى ما يصير أمرها ثم يحكم فيها حينئذ.
قال أبو عبيد: والأمر عندنا في الشّجاج كلها والجِراحات كلها أنه يُستَأنى بها؛ حدثنا هُشَيْم عن حُصَيْن قال قال عمر بن عبد العزيز: ما دون المُوضِحة خُدُوش وفيها صلح.
وقال الحسن البصريّ: ليس فيما دون المُوضِحة قصاص.
وقال مالك: القصاص فيما دون المُوضِحة المِلْطَى والدامِية والباضِعة وما أشبه ذلك؛ وكذلك قال الكوفيون وزادوا السِّمْحاق، حكاه ابن المنذر.
وقال أبو عبيد: الدّامِية التي تَدْمَى من غير أن يسيل منها دم.
والدّامِعة: أن يَسيل منها دم.
وليس فيما دون المُوضِحة قصاص.